الرواية على هيئة “جواز سفر”!

 طاهر الزهراني

الناثر الشاعر: بعد ثلاثة دواوين شعرية يخرج لنا الشاعر معتز قطينة كتابه النثري الأول كما يسميه والرواية الأولى له كما تقول دار النشر، والقارئ يهمه المضمون قبل التصنيف. الكتاب يتكون من 175 صفحة من القطع المتوسط وهو من إصدارات دار أزمنة لهذا العام 2010 م.

وقفة مع الغلاف:

أخرج الكتاب على هيئة جواز سفر يحمل الرقم F 261080 ! لون أخضر ويعلوه نخلة صفراء، العنوان الصادم يربك الناظر الى الكتاب من أول وهلة! العنوان المتجرد من كل تأويل جميل، العنوان الذي لا يذكرك إلا باللهاث، والخيبات، والحياة البرزخية التي لا أمد لها، العنوان الذي يذكرك بالمعارض والخطابات والبرقيات ووزارات الداخلية والخارجية والاضطرابات الروحية، كل هذا تستشفه من وجه الرواية! وعلى مؤخرة الجواز كتب ما نصه: “ربما لم أفهم معنى أن يعيش أحد بعيدًا عن وطنه دون أمل بالعودة إليه ودون قدرة أن يخرج المفتاح المخبأ في خزانته. مفتاح داره القديمة التي تركها في فلسطين، التي ربما يسكنها غيره الآن، أو قامت مكانها مستوطنة صهيونية فأصبح صغار السكناج يلعبون في حديقتها وصارت شجرة الزيتون التي يغرسها بعرقه ويديه المكان المفضل كي تقيم فيها طالبات يهوديات حفلهن الخيري كل موسم ..”

مع الكتاب :

الإهداء كان لابن حسنة وبنت داود “وحيث أنكما بعيدان عن جذركما وأرضكما التي تحملان اسمها كالإثم فليكن هذا الكتاب صلاة لعودتكما وعودة من لم يعد!” يبدأ المشهد مع الطفل الذي كان يتقافز في مقعد السيارة الخلفي في سيارة العائلة ويقول: “لم أكن أكره فلسطين بعد كل هذا فهي لا ذنب لها فيما يفعله بي هؤلاء الكبار” كان كل ما يجده في القدس المتوهجة بقبتها الذهبية لا يشبه ما يجده في جدة!

هو لا يعلم أنه سيقف بين مفترق طريق: إما فلسطين أو السعودية وهو في كلا الحالتين مجرد غريب بين أهله وغريب في دار إقامته!!

هو سيختار في النهاية أرضاً ما! هل يختار المدينة العتيقة المقدسة، أرض الأنبياء صاحبة التربة الخصبة والزيتون.. أم يختار جدة المدينة الموبوءة صاحبة الحواري المتهالكة والشوارع الضيقة المليئة بالحفر، المدينة التي تعج بكل قبيح وحسن والتي يتآلف معها لسانًا ووجهًا، لكنهم يهمشونه في النهاية بقولهم: أجنبي!

هو لا يسلم من النعوت فهو الغريب في مدينته العتيقة والأجنبي في المدينة الساحلية (جدة)!

ماذا يقرر؟! هو لم يترك جدة إلا لكي يولد في القدس يمكث فيها أيامًا قليلة ثم يعود إلى جدة. ماذا يقرر وفي جدة يشعر بانتماء صادق، به يكره غطرسة من قومه وتباهٍ كاذب ووطنية معوقة. هو يريد أن يكون مستقلاً بروحه ورغباته، أن يكون صادقًا مع نفسه (ألست حاملاً لفيروس الهوس الذي يحمله كل سعودي تجاه أرضه؟!) إنه يشتاق لجدة (لمطباتها، للإفريقيات اللاتي يجمعن العلب الفارغة، للحي الشعبي الذي يسكنه أهلي، الحي الذي حملني بين يديه طفلاً وسار الى جنبي صبيًّا وحررني حين صرت فتيًا وقادرًا على خوض الحياة.. اشتقت لكل شيء، رغم أن حياتي في السعودية لم تكن أقل إيلامًا، فحين تسمي أنظمة الأرض وقوانينها ابنها أجنبيًّا، يقض حياته وهو يشعر أنه البطة السوداء القبيحة!)

أخيراً:

العمل الذي ابتعد كاتبه عن العزف على وتر الفقد والبكائيات المستهلكة، كان سرده سلسًا وجميلاً، التزم الكاتب فيه بعدم خروجه عن المحور/ الجنسية، لذا أعتقد أن الكاتب وفق في اختيار هذا الاسم عنوانًا لعمله النثري رغم ثقله وجفاء وقعه على القارئ، وهو بذلك خرج أيضًا من ورطة العنوان الشعري المتوقع منه كشاعر. الكتاب كتب بلغة نثرية جيدة لم يغرق في الشاعرية وهذا دليل على أن الكاتب كان حذرًا أثناء كتابته من مزالق الشعر ، إلا في مواطن معدودة في الكتاب صاغها بلغة شاعرية وكانت موظفة بشكل جيد. الكتاب سلم من الحشو، لكن وقع فيه بعض الترهل وخاصة في فصوله الأخيرة التي تحدث فيها عن الرياض. السر في الكتاب، ليست اللغة ولا المضمون ولا النواحي الفنية. سر الكتاب في أسئلته الشائكة المربكة حول الهوية والانتماء والوطنية والقومية والعنصرية.. (الجنسية) باختصار وصف حالة إنسان متورط بالمفاهيم دون ذنب!.

(Visited 47 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *