منذ العام ٢٠٠٠ وأنا غارق في الحياة الافتراضية، لا يمرّ يوم دون المرور بها، والحديث مع من فيها، وإرسال النصوص والأخبار، والتعليق على الأحداث، والسخرية منها.
منذ ذلك الوقت وأنا أخوض في هذه الشبكات، بدأت بالمنتديات، ثم المدونات، وأخيراً الشبكات الاجتماعية التي لم يعد لها حصر ولا عدد، ولم يعد باستطاعتي التماهي مع كل هذه الفوضى التي تضخها بشكل يومي، لا بد أن أكثر من ١٣ عاماً كافية جداً للحكم على شيء ما، خاصة أنك تخوضه من الداخل.
عشرات الأشخاص، وربما المئات، عرفتهم من هذه الشبكات، بعضهم صار صديقاً مقرباً جدا، وبعضهم اتخذ نفسه عدواً، لا فرق في هذه الحياة بين الأصدقاء والأعداء، كلهم يمتلك ما جعله يندرج تحت هذه الصفة، الأعداء أشخاص رائعون، يجعلونك تعيد تقييم نفسك، الأصدقاء الحقيقيون يفعلون ذلك أيضاً، أما الذين يستمرون في التصفيق لك رغم كل شيء وعلى كل حال، فإنهم ليسوا أصدقاء حقيقيين، كما أنهم لا يحملون في أنفسهم احتمال عدائك.
تغير العالم كثيراً خلال هذه السنوات، وأنا تغيرت أيضاً، بشكل لا يطاق ربما، على المستوى الشخصي، لم يعد ذلك الغرّ المتغطرس هو ذاته الذي يكتب الآن هذه الكلمات، كما أن الحادّ الصفيق الذي ينفجر في وجوه الناس لأقل الأسباب صار أكثر حدة، إنما لأسباب مختلفة تماما، ولم يعد يعنيه ما الذي يقوم به المحيطون به، ربما صار لا مبالياً لشدة ما قصمت التجربة روحه.
غرقت جدة، التي غادرتها قبل أقل من عام، غادرتها جسداً فقط، أنا الذي سأظل معلقاً بها تسعين عاماً، وكم أنا مدينٌ لهذه الشبكات التي عرفتني بنبلاء كثر، وكشفت لي أوغاداً أكثر، وسُجن حمزة فعرفت من خلال الشبكات أيضاً أن ثمة أنقياء لا يحتملهم القلب، وأن هناك من القذارة في قلوب البعض ما لو وُزع على قلوب أهل الأرض لفاض عنها، وسافرتُ، فعرفت أن لي من الأصدقاء كنزاً لم أكن لأعرفه لولا امتحان السفر.
ما الذي أريد قوله بعد هذا؟
أريد القول إنني ممتن فعلاً لهذه الطفرة التكنولوجية الهائلة، لكنني مجهد أيضاً، ومتعب من هذا الزحام الذي يضج برأسي، وقد تغيّر مني ما تغير، لكنني لا أنسى، ولا يبرد الثأر في قلبي، وأشعر أن هذا العام أثخنني بما لم أتوقعه، قلب طريدٌ، وقلب مطرود، وقلب كان يوماً طارداً، وثمة ما لا يحكى! لكنني وأنا أفكر بكل هذا، أذكر أنه لم يكن ليحدث ما حدث لولا الكثرة المحيطة بي، ولولا الاقترابات التي حدثت دون أعرف إلى أين يفضي بي كل هذا السيل؟ وكأنني صرت فجأة عارياً في ميدان عامٍ والناس ينظرون، وكأنني اعتدت الأمر!
أما الآن أعرف ما أريده: أن أستريح قليلاً من كل هذه الضوضاء، سأعلّق كل حساباتي على الشبكات الاجتماعية، لأن جانباً حقيقياً مهماً في الحياة أشعر أنني أكاد أفقده ولا أريد ذلك، ولأن فيها من ترف الوقت ما لا يحتمله الوقت، وفيها من الإزعاج ما لا يليق بالهدوء الذي أنشده، وبها من انتهاك الأسوار ما لا ترغبه الأعين، وبها مما لا أريده أكثر مما أريد!
وإلى لقاء وحده الله يعلم متى سيحل وقته
موفق معتز على اي بقعة من هذا الكوكب تُضيء وقلوبنا ترافقك بدعاء
تشتاق لك مدينة البحر وربما انا من يشتاق اكثر …
المواقع الاجتماعية رغم ضجيجها الا انها تقربنا من نراقبهم سرً هي نقطة صلّة للأطمئننا انك بخير حتى وأذ لم تكن بخير نحن او انا ابتسم لوجودك ❤️
بالأمس كنت أفكر في غرابة العيش بين التايم لاين الحقيقي والآخر الموازي على تويتر، واليوم خطر لي أن أبحث إلى أين
أختفيت أو إن صح تكثفت. كن بخير حيثما أنت يا معتز.
الكلمات تبقى والحياة تستمر، قلمك جميل يعكس جمال روحك وفكرك معتز
اكتب دائما لاتتوقف💚