كتبت عما يعيشه الكثيرون، ولم ألتفت إلى ردود الفعل أجرى الحوار: عبدالله الدحيلان

حوار: عبدالله الدحيلان

جاء إصدار الكاتب الشاب معتز قطينة مختلفا من كل النواحي. فمن ناحية الموضوع هناك من يعد “الجنسية” أول كتاب يتناول حياة الفلسطينيين الذين يعيشون بالسعودية وبقلم فلسطيني، وكذلك غلافه الذي حمل صورة لافتة للنظر ألا وهي صورة الجواز السعودي الكتاب يتناول سيرة ذاتية غنية بالأسئلة والإشكاليات والرؤى المختلفة. اعتمد معتز قطينة على لغته الشعرية ومهارته السردية من أجل إيصال رسالته، وليسقط أكثر من إسقاط على الوضع الفلسطيني، ما دفع البعض لأن يعتبره قاسيا في هذا الكتاب على أبناء بلده، إلا أنه نفى ذلك.

يقول معتز ل”الحياة” حول اختلاط السيرة الذاتية بالجانب السردي، وألم يكن مقلقا؟:

هل باستطاعة الكاتب أن يتجرد من سيرته الذاتية أثناء الكتابة؟! ويتحرر بشكل كلّي من كل ما يربطه بمكونات حياته التي صنعت ما هو عليه؟! أتصور أن السيرة الذاتية تساهم – ولو بصورة غير مباشرة- في صناعة الكتابة، وتعمل على رسم الملامح العامة للعمل من خلال تصورات الكاتب حول نصه وآرائه وبناء أفكاره. على المستوى الشخصي أظن أن اختلاط السيرة الذاتية بالجانب السردي طبيعي جداً، وليس مدعاة للقلق، على الأقل كونه لم يمنح النص هوية خالصة”.

وفي ما يتعلق بالبيئة الفلسطينية الغنية بالأحداث والتفاصيل والرؤى، وكونها مثلت محورا فعالا لكتاب، يرى أنه لا توجد بيئة فقيرة فنياً، “الفصل في ثراء البيئة واستحالتها إلى مادة مقروءة يعتمد على قدرة الكاتب في التعامل معها والتقاط التفاصيل التي تحيلها إلى كتاب يستحق القراءة، والبيئة الفلسطينية – سواء قصدت حياة الفلسطينيين في السعودية أو في فلسطين- لا تختلف عن مثيلاتها، وفيها بالتأكيد ما يمكن العمل عليه إبداعياً وتوظيفه في قالب فني. الرؤية تعتمد على مهارة الكاتب في تحويل التفاصيل الصغيرة إلى أزمات إنسانية ومحكّات جاذبة للقارئ”.

وحول العيش في بلد أخر غير البلد الأصلي، فقط للشعور تجاهها بالانتماء، يعلق متسائلا: فقط لأنك تشعر تجاهها بالانتماء؟! وكأن الشعور بالانتماء ليس كافياً لقرار العيش في مكانٍ ما! بالرغم من أن الانتماء قد لا يشكل بالضرورة قراراً نهائياً لممارسة الحياة في بقعة ما من العالم، فقد تختلف دوافع العيش بين شخص وآخر، إلا أن الانتماء في النهاية يظل عامل الحسم لدى فئة من الناس قد لا تستطيع نزع انتمائها عن خيارات أخرى. هو الاختلاف الإنساني فقط بين شخص وآخر، وتبقى معتقدات كل شخص ومبرراته دافعاً لاختيار المكان الذي يقرر الاستمتاع بحياته فيه”.

قراء عديدون يرون أن معتز قسى على أبناء بلده المقيمين في السعودية، في حين يقول هو: هناك من رأى أيضاً أنني كنتُ ليناً معهم، المسألة نسبية، والكتابة وما تحويها ليست تهمة لأقوم بالرد عليها، لكن ثمة ما يستدعي التوضيح: إذ لن يكون بإمكاني – ولا بإمكان أي كاتب- نيل الرضا المطلق من القارئ، فكما يكتب الكاتب ما يظنه ويراه حقيقياً، فإن القارئ أيضاً ينظر بذات العدسة، ويحكم على ما يقرؤه من خلال أفكاره الشخصية التي قد تتوافق أو تتعارض مع ما يقرؤه، ومن يقرر الكتابة فإن عليه الاستعداد لقبول نتائج عمله”.

وحول التجارب التي تضمنها الكتاب وتأثيرها في حياة شخص متذبذب في الانتماء بمسألة الأرض، يشير إلى أن التجارب كلها، :بما فيها التدين وغيره، تؤثر في حياة هذا الذي رأيته متذبذباً، وتمنحه باستمرار رأياً جديداً وفكرةً مختلفة، فالذي لا يتغير بالتجربة، ولا يتطور بخبرات حياته سيعيش دوماً على هامش الحياة، والذي لا تغني التجارب حياته سيظل مغلولاً إلى سلاسل التكرار واجترار النمط. قد تصنع هذه التجارب نموذجاً فاشلاً يعيش على هذه الأرض لكي يكتفي بحساب أيامه المتشابهة، وقد تقدم إلى البشرية إنساناً ناجحاً وعظيماً، وقادراً على حفر اسمه في سجل التاريخ الإنسانيّ!”.

وفي ما يخص النظر إلى المجتمع السعودي من الخارج، وإلى أي مدى أستطاع أن يتناول ذلك بحرية، يلفت معتز قطينة، إلى أن المجتمعات العربية “عاطفية بطبعها، معرضة للاستفزاز لمجرد حديثك عنها، وتمتلك من القلق وعدم الاستقرار ما يجعلها تهتاج ضدك لأقل الأسباب، تحبك بشدة وتكرهك بشدة، والمجتمع السعودي مثل غيره من المجتمعات، ستجد من يقبل حديثك عنه، ويناقشك، ومن يرفضك، ومن يسخط عليك، ومن يتصور أنك متعاطف معه، أو متآمر ضده،ليس سهلاً التحدث عن الخروج من الدائرة وأنت ما زلت فيها! ما أدركه، هو أنني لم أكتب بحساباتٍ مسبقة، لو أنني وضعتُ هذا الأمر بين عينيّ وأنا أكتب لما استطعتُ كتابة “الجنسية” بالشكل الذي هو عليه الآن، أظنني كتبتُ عما يعيشه الكثيرون ويتحدثون فيه، دون أن يبادر أحد إلى كتابته بشكل علني، ربما لقلق اجتماعي، أو خشية من ردود فعل غير متوقعة، لكنني كتبتُ بمساحة من الحرية أظنها كانت مناسبة للفكرة، وافية لما أردت كتابته دون الالتفات إلى ما قد ينتج من ردود الفعل”.

صحيفة الحياة ٢٤-٩-٢٠١٠

(Visited 154 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *