لقائي مع أحمد عدنان: لن أخاصم الإسلام السياسي في مكان وأصفق له في آخر

أحمد عدنان.. وأنا
أحمد عدنان.. وأنا

أجري هذا الحوار في جدة المعظّمة بتاريخ ٨ يونيو ٢٠١٢، ونشر في صحيفة أنحاء الإلكترونية بتاريخ  ٢٠ نوفمبر ٢٠١٢

دردشة عادية بين صديقين في مقهى، لا أذكر الآن السؤال الذي أشعل شرارة الحوار وفتح باب القراءة السياسية في المستقبل القريب للسعودية، ومدى تأثرها بأجواء الربيع العربي، وإن كانت ستشهد انعكاسات هذه الأجواء على الساحة الداخلية، سألته إن كان يسمح بتسجيل حوارنا هذا، تمهيداً لنشره فقبل. الجيد، أن اليوم التالي شهد مسامرة استضافها صالون ثقافي في جدة، وكان الحوار الذي تحدث به أحمد عدنان، عن المحاور ذاتها التي أطرحها الآن بين أيديكم.

عند الحديث عن المشهد السياسي في السعودية، فإننا ننظر غالباً للمشهد الحقوقي والتفاعلات بين الناشطين ووزارة الداخلية في سياق القوانين بين الدولة والمجتمع، ونغفل المشهد الإقليمي، وانسحابه على المشهد السياسي في الداخل، كان هذا الحوار من أجل إكمال المشهد، وتقديم تصور أكثر شمولية من اجتزاء الشأن الداخلي وانكفائه على نفسه.

“المرحلة الحالية مرحلة مصير، وليست صراعاً عادياً”

* المملكة العربية السعودية في قلب العالم العربي، والموضع المؤثر سياسياً في تقلبات الأحداث الخارجية المحيطة به، كيف ترى المشهد؟

التعامل مع مايجري الآن في المنطقة أشبه ما يكون بتنظيف السجاد، فإذا افترضنا أن المملكة العربية السعودية سجادة – وهي سجادة كبيرة- يتم تنظيفها، وهنا القصد التأثير عليها، بضرب أطرافها، وحين يضرب الطرف لا بد أن يهتز القلب! لو نظرنا إلى أطراف هذه السجادة سنجد ضربات توجه بعنف إلى هذه الأطراف، سواء كانت من داخل الأطراف أو من خارجها، ننظر بداية إلى جنوب المملكة (اليمن) لنجد دولة ضعيفة ومفككة بعد الثورة -دون أن يلغي هذا عظمة الثورة- تواجه صعوداً واضحاً لتنظيم القاعدة، مقابل هدوء ماكرٍ غير دائم للحوثيين، وماقد ينجم عن وجود هذين الفصلين المتضادين في بلد واحد، إضافة إلى العوامل العديدة في هذا البلد: سطوة القبيلة في المقام الأول، لدرجة أن الدولة اليمنية تبدو في مشهدها الداخلي كـ “قبيلة” مساوية للقبائل الأخرى لا قوة مهيمنة ومسيطرة فوق الجميع، وعوامل أخرى تشير كلها إلى أننا أمام بلد غير مستقر، ومضطرب، وضعيف في أفضل الأحوال.

حين ننتقل غرباً، يواجهنا السودان: بلدٌ على شفا حرب أهلية، رئيسه مطارد دوليا، جنوبه استولت عليه إسرائيل للأسف. في الغرب أيضا: الصومال يضطرب تحت رحمة القراصنة، غير الحرب الأهلية الممتدة من عقود.

مصر على شفا حفرة من الإخوان المسلمين (صحّت القراءة هنا، وباتت مصر يحكمها الإخوان المسلمون الآن) ما قد يضع المملكة بين كماشتين: كماشة اسمها إيران شرقاً، وكماشة اسمها مصر الإخوان المسلمين في الغرب . يعود التنافس بين المملكة وإيران يعود إلى وجود سلعتين فقط: البترول والإسلام، الذي سيدخل عليه طرف جديد هو الإخوان المسلمون، أضف إلى ذلك أنه إذا كانت المملكة في صراع مع إيران على السيادة الإسلامية فستكون في تنافس محمومٍ مع مصر على الريادة العربية.

شمال المملكة لا يقل كارثية عن بقية المناطق: العراق يسقط في توتر طائفي وسيطرة إيرانية، ثورة دامية في سوريا، إذا بقي النظام السوري مصيبة وإذا سقط مصيبة أيضا، نظرا لعدم وجود نظام بديل حتى اللحظة.

أما الأردن فهو بلد مهدد بشكل كبير في حال سقوط مصر في يد الإخوان المسلمين، أكاد أقول إنه إذا سقطت رئاسة مصر في فخ الإخوان سيصبح سقوط الأردن مسألة وقت فقط! (صحّت القراءة هنا أيضا، وبدأت المظاهرات في الأردن، بتحريك جماعة الإخوان المسلمين).

أما شرق المملكة، وماكنا نظن أنه باب أغلقناه – كالبحرين – فإنه سيظل مفتوحا، وستفاجئك الكويت بخروج الإخوان المسلمين من باب آخر. (وهنا قراءة صائبة، إذ تحرّك الإخوان المسلمين في الكويت بمسيرات ضخمة لمجابهة الحكومة) وبالنسبة لقطر، فإنني أراها العضو المنتدب للقوى المختلفة في المنطقة، الذي يمثل كل الشركاء (أميركا، تركيا، إسرائيل، إيران، وحتى السعودية) وحتى الإخوان على تواصل دائم مع قطر منذ عهد الرئيس المخلوع مبارك. بلدٌ (يقصد السعودية) في ظل هذه الفوضى التي حوله سيتأثر بكل هذه المجريات، ولا بد أنه سيتأثر سلباً.

*كيف يمكن للسعودية -بثقلها السياسي والإقليمي وما يفترض أنه دورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي- أن تتأثر بالأحداث المجاورة بشكل سلبي؟!

حجم التأثر سيكون على النحو التالي: صعود الإخوان المسلمين في ظل وجود إيراني، إضافة إلى النكهة الدينية للسياسة السعودية، في ظل هذه الأحوال سترتفع الجرعة الدينية بشكل غير مبرر على اللغة الاقليمية، وسيكون لذلك ضرر فادح على داخليا وخارجيا.

من ناحية أخرى، فإن السعودية كانت تنوي القيام بخطوات أعلى بخصوص الثورة السورية، وتقدم دعماً أكبر وأكثر صراحة، لكنّ ثمة حوار سياسي حاد جدا جرى بين المسؤولين السعوديين، وبين المسئولين الروس والإيرانيين من الجهة المقابلة، أسفر عن التلويح بالضرب تحت الحزام بين كل الأطراف! وكلمة “ضرب تحت الحزام” في هذا الموضع ما هي إلا تعبير مهذب جداً عما يُتوقع حدوثه، مما دفع المسؤولين السعوديين إلى التوقف عند هذا الحد بانتظار بروز عناصر أخرى، وظهور إشارات أكثر وضوحاً في مشهد الثورة السورية .

* هذا التأثر يظل حبيس المشهد الخارجي، ويبقى أثره محصوراً في الأطراف، هل ترى ما يمكن أن يمتد إلى الداخل السعودي نتيجة لهذا الاضطراب؟

هذا الوضع المضطرب والمتوتر والعواصف الموجودة ستؤثر قطعا على أداء الحكومة في الداخل على عدة مستويات :

1- العقل الأمني

2- العقل السياسي

3- العقل الاقتصادي والتنموي

– على المستوى الأمني ستكون هناك حدة واستنفار عالٍ جداً، وحساسية من أي رأي آخر، وتوتر قد يبدو للبعض مبرراً وللبعض الآخر غير مبرر.

– العقل السياسي يعتبر المرحلة الحالية مرحلة وجود ومصير، ليس صراعا سياسياً عادياً

– العقل الاقتصادي والتنموي: أعتقد أن كلامي فيه لن يكون دقيقاً جدا، لأننا نتحدث هنا عن وفرة مالية، وربما لو راقبنا الإنفاق على الأمور الأمنية والعسكرية وأمور السياسة الخارجية قد لا نلحظ ازدياداً فيه، لأننا ببساطة نفتقد للشفافية، وفي ظل عدم وجود معلومات لن نتمكن من تقييم هذا الجانب كما ينبغي، لككني أظن أننا سنواجه نوعاً من الانكماش الغير ملاحظ من العامة لكنه واضح للمتخصصين.

“الربيع العربي أنهى زمن النبؤات السياسية”

* تبدو الأمور أكثر تعقيدا مما هي عليه من حولنا، ما الذي يمكننا توقعه؟ وهل ثمة ما يخفض من أثر الخارج؟

لا يمكننا التوقع، نحن نتحدث الآن عن عوامل ومسببات، فحين نقرأ علاقة وضعنا الداخلي فلا بد أن نربطه بما يجري حولنا، ربما هذه الأمور ستساعدنا على قراءة ما يحدث: أول سؤال يواجهنا هو: إلى أين ستسير الحرب في اليمن؟ وبخصوص اليمن (يؤكد هنا أن معلوماته محدودة بخصوص صراع الحكومة والقاعدة من جهة، والحكومة والحوثيين من جهة أخرى، ويصف نفسه بالمتابع فقط، وأن الحالة اليمنية تحتاج رأيا أكثر تخصصا). فإن مشروع الاتحاد الخليجي في ظل تجاهل اليمن لا قيمة له، لن يكون هناك خليج آمن واليمن مضطرب وجائع .

أما بالنسبة للسودان، فقد كتبتُ في أكثر من مقال أطالب وأشدد على ضرورة أن تعبر المملكة البحر الأحمر وتذهب بكل شجاعة وتتلافى كل الحساسيات وتحتضن جنوب السودان قبل أن يسقط في براثن إسرائيل، ليس باستطاعتك ضمان أمن سودان شمالي وسودان جنوبي في ظل التهافت الإسرائيلي على انتزاع الجنوب! اقترب من البحر الأحمر واحتضن جنوب السودان فجنوب السودان يعتبر ذا أهمية استراتيجية كبرى، فهو أولا أرض زراعية خصبة تستطيع أن تؤمن منها الأرز والقمح لشعبك، وثانيا لأن الاستثمار فيه يحمي اقتصادك الوطني إذا خف حجم الاضطرابات هناك، على السعودية أن تلعب دور المصالحة بين شمال السودان وجنوبه، وتستطيع -بحكم علاقتها الجيدة بالشمال- أن تخفف عن كاهلها عبئا مستقبلياً لو توقعنا استقرار الشمال، الذي أظن أن يد الربيع العربي ستمتد إليه.

الوضع في مصر أكثر تعقيدا ،إذا وصل الإخوان للحكم (هم على سدة الحكم الآن) فسنصل في تقديري الشخصي مؤقتا إلى علاقة وئام مع مصر، ثم سندخل حالة صراع حادة جدا مع الإخوان بسبب التنافس على “سلعة” الإسلام، وبسبب أيديولوجيا الإخوان التي تؤمن بمشروع الأمة والخلافة، لم تجرِ إلى الآن مراجعة فكرية وحقيقية لفكر حسن البنا ولا لأي قيادي من قيادات الإخوان المسلمين، كل ما حدث وسمعناه لا يعدى تصريحات صحفية وغير ملزمة كما يشير الباحث، الأستاذ رائد السمهوري .

انتصار الإخوان في مصر سيدفع الأصوليين وحركات الإسلام السياسي في السعودية والخليج والأردن إلى مزيد من الاستقواء ، تستقوي معنويا على حكوماتها أولا، ثم تستقوي بعلاقاتها مع إخوان مصر وفروع الإخوان الأخرى.

“السعودية وإسرائيل لن يسمحا بسقوط النظام الأردني”

* هذا ما يحدث جنوباً وغرباً، ما الذي نقرأه في شمال السعودية؟

لا يمكن أن يستمر نظام بشار الأسد، وفي ذات الوقت لا يمكنه أن يسقط بدون وجود بديل قوي مؤهل للقيام بدوره ، نظام بشار الأسد والنظام الإيراني مثل زعيم المافيا الكبير، يضم تحت زعامته عائلات صغيرة تمارس الإجرام لحسابه، العائلة الانتحارية في العراق يتم ترويضها بكف شرها مع سوريا، فإذا سقط النظام في سوريا كيف سنتحدث مع عوائل الإجرام التي كانت تعمل لصالحه؟! خصوصا أنها ستعمل لحسابها الخاص، أو ستعمل لأصدقاء رئيسها السابق، من هذه العائلات حزب الله، القاعدة، حماس، مع التفاوت في وظيفة كل منها.

أما الأردن فإنني أستبعد سقوطه، أو لنقل أستطيل وقت سقوطه -وهنا نتحدث عن سقوط ملكي- لأنه لا يمكن لإسرائيل والمملكة العربية السعودية أن تسمحا بسقوطه، تلافيهما لهذا السقوط هو أن كلا الطرفان لا يرغبان المواجهة، إذا سقط الأردن ستصبح السعودية دوله مواجهة، وهذه كارثة على السعودية وعلى المنطقة والعالم. أخشى على الأردن من بعض العناصر “الملكية” التي تؤمن بفكرة الوطن البديل، فبعد إبعاد تلك العناصر عن العرش الاردني فكرت – واهمة – في اختلاق عرش عراقي والاستيلاء عليه، وهو ما لم يحصل، وربما فكرت تلك العناصر – الآن – في اختلاق عرش سوري!. هذا اللهاث خلف السلطة من قبل البعض قد يفاقم الظروف على الأردن.

* بين كل هذه التوترات، الاحتمالات مفتوحة على كل النتائج والقراءات، والصورة ضبابية إلى حد ما، ماذا تتوقع من السعودية القيام به؟

لقد كتبتُ وحذرت مما يسمى الفراغات السعودية، فالسعودية كانت تملأ فراغا معينا في المنطقة قبل 11 سبتمبر، كانت على علاقة ما مع حماس، وإلى درجة معقولة كانت تحت التوجيه السعودي، بعد 11 سبتمبر طلبت الولايات المتحدة من السعودية قطع العلاقات معها وفعلا قطعتها، أو ربما بادرت السعودية بالتبرؤ منها وقطعها خوفا من تهمة الإرهاب .

كانت المملكة على علاقة بالقوى في الداخل العراقي، بعد ذلك تدخلت الولايات المتحدة وطلبت من المملكة ألا تقحم نفسها في هذا الباب. تحدثنا عن فراغ جنوب السودان الذي امتلأ بإسرائيل ومن الطبيعي عندما تفرغ منطقة أن تتسرب إليها قوى أخرى! كما حدث أيضا مع حماس والعراق -حيث يوجد صراع سعودي/ أمريكي/ إيراني، واستطاعت إيران أن تظفر بفراغ السعودية وتشغل مكانه.

وحين نذهب شرقاً فإن علينا الالتفات إلى دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، هذا مشهد قابل للتكرار في دول أخرى مجاورة! وقد يكون هذا مؤشر جديد في السياسة الخارجية السعودية.

* كتبت مرة منتقدا إيران وحلفاءها – بشدة – “دون كيشوت السعودي: أصدقاء حزب الله وخصوم الحريري” ألا تخشى من أن توصم بالنفاق؟

أنا أختلف مع إيران وأعاديها، بسبب أوجه الشبه بينها وبين الحكومة، لكنني أفضل الحكومة بسبب أوجه الفرق بينها وبين إيران. لا يمكن أن أخاصم الإسلام السياسي في مكان وأصفق له في مكان آخر!.

“على الخارجية السعودية أن تعود لملء الفراغات”

* هل تظن باستطاعة الخارجية السعودية أن تلعب -لوحدها- الدور المطلوب منها لملء الفراغات كما أسميته؟

لابد من إعادة هيكلة سريعة لوزارة الخارجية. وأنا أطالب بهذا رغم أنه لا توجد شفافية فأنا لا أعرف ماذا يجري الآن في أروقتها. أرى أن وزارة الخارجية بحاجة أن تكون أكثر حيوية، وكذلك المخابرات السعودية، لا بد من توحيد كل الملفات الخارجية التي لها علاقة في جهة واحدة فقط، نحن نعرف أن وزارة الدفاع في فترة من الفترات احتكرت الملف اليمني، وفي فترة من الفترات كانت أمارة الرياض محتكرة ملف قطر، والتواصل مع حماس، وفي فترة من الفترات كان مجلس الأمن الوطني -الذي لا أعرف ماذا يفعل!! – محتكراً تماما ملف التواصل مع روسيا والصين وأحيانا ملف إيران .

هذه “الدربكة” لابد أن تتحد في جهة واحدة تتمتع بالمركزية وتخضع لها جميع الجهات ذات الصلة، حتى لو كانت وزارة الدفاع أحد هذه الجهات، علينا أن نضع في الحسبان أن هناك فراغا أميركيا يتشكل في المنطقة، بدا واضحا بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ورفع يدهم عن القضية الفلسطينية، ومراقبة ما يجري على هامش الربيع العربي والاكتفاء بدور المراقب، هذا يعني أننا دخلنا في مرحلة تبدو فيها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الآن أكثر سلبية مما عهدناها، وهذه المرحلة السلبية مؤقتة، وحتى تعود إلى إيجابيتها، من الأفضل أن تكون المملكة قد استغلت هذا المشهد السلبي الأمريكي وتحاول أن تشغله.

* القضية الفلسطينية، الغائبة وسط الازدحام العربي/ العربي، ماذا عن تفعيل دور المملكة في الفراغات من خلال العودة إليها؟

أعتقد أن الطريقة التي شاركت بها السعودية في القضية الفلسطينية أضرت بالسياسة السعودية كثيرا، لقد كانت تسعى إلى العمل في الظل أو عبر وكلاء أبرزهم مصر والأردن – والآن قطر، وأعتقد أن هذا أصاب الناس بالملل، ولو بشكل خاطئ، وأنا هنا أتحدث عن معلومات ، كنت أتمنى أن يكون هناك تصدٍّ علني لموضوع الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة والاعتراف بالعضوية، المملكة حينها عملت في الظل، وزير الخارجية – مثلا – رفع مذكرة شديدة اللهجة للادارة الأميركية، لماذا لم يعلن عنها؟!، لم يكن ذلك في مصلحتنا لا سياسيا ولا إعلاميا.

*كيف ستضع السعودية يدها بيد السلطة الفلسطينية الضعيفة نسبيا أمام المد الإخواني الذي سيصعد بحماس مرة أخرى ولا بد أنها ستسعى للاستحواذ على السلطة من جديد؟

وهذا ما يعزز ضرورة عودة المملكة عربيا إلى السياسة الخارجية، وأنا أطالب بالخيال في القضية، لقد تم انتهاج كل الطرق المنطقية لحلها، نحن الآن بحاجة إلى طرق -لن أقول غير قانونية- لكنها طرق فيها خيال، قد لا تتحقق الطرق بذاتها لكنها قد تحدث اختراقات واسعة.

أظن أنه آن الأوان أن تستضيف الرياض مؤتمراً للسلام بحضور كل الأطراف، لابد أن يكون هناك تنسيق تام مع مصر والأردن لأنهم قادرين على التعطيل -وطبعا التنسيق مع الولايات المتحدة- لكن لا بد أن يكون مؤتمر سلام ضيقاً، لا موسعا على غرار ما قام به الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وعلى المملكة أن تعلن صراحة استعدادها الاعتراف بإسرائيل في ظل قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة فوراً.

وفي موضوع إسرائيل يجب أن نتحدث بتفصيل، كلما أردنا ضغطا على إسرائيل لجأنا إلى الولايات المتحدة لذلك، الضغط بالوكالة يفقد الضغط نصف قوته على الأقل، إضافة إلى ذلك ان الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل حين تريد هي لا حين نريد نحن. لا يمكن الضغط على إسرائيل إلا حين تكون هناك مصالح يتم الضغط من خلالها.

*الأردن مرة أخرى، أكثر ما قام به ملك الأردن هو تغيير الحكومة وتعيين وزير سابق لحكومة جديدة -بعكس الخطوات الإصلاحية نوعا ما لملك المغرب- المطالب صارت أعلى، قوة الإخوان في نموٍ مستمر، كيف ستجري الأمور؟

الأردن مكبل بسبب عدة أزمات والأزمة الاقتصادية واحدة منها، وأزمة المياه -وهذه أزمة لا يعرف عنها إلا قلة- فالاتفاقية التي تمدّ الأردن بالماء بسعر مخفض من قبل إسرائيل قد انتهت، فأصبح الأردن يحصل على المياه من سوريا، وهذا يفسر تحركها البطيء جدا والضعيف حيال الشأن السوري، وأعتقد أن حصول الأردن على دفعة اقتصادية، وحل موضوع المياه، فباستطاعة المؤسسة الملكية أن تستمر، وتحظى بالاحترام والتقدير قياسا بدول عربية أخرى، وأثق بقدرتها على احتواء المشهد بصيغة مناسبة.

تبقى الإشكالية الأساسية في الأردن، الصراع على مسألة فلسطينيي الأردن، ثمة جناح في الأسرة الهاشمية يمثل الأمير الحسن معادٍ لفكرة الدولة الفلسطينية، بعكس الجناح الذي يقوده عبدالله الثاني بن الحسين لدعم قيام الدولة الفلسطينية، كما كان والده يفعل، وبإمكانك مراجعة كتاب “نهج الاعتدال العربي” لمروان المعشر لتدهش من العلاقة المتوائمة بين الدوائر الإسرائيلية المتطرفة وبين الأمير الحسن!

* كمواطن سعودي، ما الذي يتوقعه أحمد عدنان من حكومته تجاه الأوضاع الداخلية، والوضع في المنطقة إجمالاً؟

كما أسلفت، لا تسأل عن الذي يمكنني توقعه، بعد الربيع العربي انتهى زمن النبوءات! لكنني سأضيف نقطة عن بعض المثقفين السعوديين، فإحجام التيارات الليبرالية والمدنية عن تناول المشهد الخارجي للسياسة السعودية سمح للمتطرفين بالدخول وملأ الفراغات!. يبدو كوميديا ومأساويا أن يفتي وعاظ التطرف والجهل في السياسة الخارجية من منطلق طائفي مريض، هذا الخطاب ستكون له اتعكاساته السلبية والمريرة على الداخل، وبشكل وبمقدار يفوق كل التصورات!

:: :: ::

* تم الاتصال بأحمد عدنان والحديث معه حول التطورات المرتبطة بالوضع الحالي للمنطقة، والتغييرات التي حدثت بين تاريخ إجراء اللقاء (٨ يونيو ٢٠١٢) وتاريخ النشر، وحصلت منه على هذه التحديثات :

  •  ما يجري الآن في الأردن وغزة مرتبط جذريا بالتصويت على دخول فلسطين للأمم المتحدة كدولة مراقبة في 29 نوفمبر الجاري من جهة، ومن جهة أخرى مرتبط بالثورة السورية
  • إسرائيل أرادت تخفيف الضغوط عن “صديقها” بشار الأسد بسحب الأنظار إلى غزة.
  • أرادت إسرائيل أن توجه رسالة إلى المجتمع الدولي لإضعاف فرص محمود عباس في مشروع الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة مراقِبة.
  • أتفهم تماما الظروف التي دفعت الشارع الأردني إلى الاحتجاج، لكنني أجد بعض الأعذار للنظام الحاكم، فدول الخليج تركته يواجه قدره منفردا من دون دعم اقتصادي أو مالي أو مائي!
  • التوتر الأردني – في هذا التوقيت – مبشر لإسرائيل وربما تدعمه، على عكس الثورة السورية، وتحاول تعزيز موقع أصدقائها القريبين من السلطة (والمبعدين عن أروقتها) الذين يؤمنون بمشروع الوطن البديل. (لا يعني دعم إسرائيل للتوتر الأردني إسقاطَ النظام الملكي، بقدر توجيه دعمها لمن يقبل بمشروع الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن، من داخل المؤسسة الملكية الهاشمية).
  • التأخر في حسم الثورة السورية لصالح الثوار يعني – قطعا – أننا نتجه إلى تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية، وهذا مشروع دولي قديم يعود إلى نهايات الدولة العثمانية. النظام السوري الجديد -بلا شك- سيلجأ إلى خيار السلام، وهو خيار معقول لإسرائيل، لكن الخيار الأفضل الذي تسعى إليه هو دويلات ضعيفة كلها تتقاتل مع بعضها وكلها تطلب ود إسرائيل!
  •  المطلوب، في هذه المرحلة، من القوى الفلسطينية جميعا ومن كل الدول العربية دعم الرئيس عباس في مشواره إلى الأمم المتحدة، والمطلوب من الدول العربية الثرية الوقوف مع النظام الأردني والشعب الأردني من أجل الاردن.

أحمد عدنان في تويتر: @wddahaladab

(Visited 221 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *