أعتقد أن دار النشر ظلمت هذا الكتاب حين روجت له على أساس إنها رواية لذلك يبحث القارىء فيه على أساس ما كتب على الغلاف عن أحداث وحبكة وكل تقنيات السرد الروائي ..غير أن الكتاب كما يتضح شكل من أشكال السيرة الذاتية ونوع من أنواع السرد الإبداعي ..
يأتي كتاب معتز قطينة مختلفا لأنه تناول أمرا يندر تناوله في عالمنا العربي .. تحليل أزمة الهوية والإنتماء إلى عوالم عديدة وكيف تؤثر الهوية الإجتماعية والتأثيرات الثقافية في صنع الإنتماء يحكي معتز ذلك من خلال سيرته الذاتية .. تحدث عن آمال ورغبات أي عائلة هُجرت وعاشت في عالم آخر بينما وُلد هو في مكان لا ينتمي إليه والديه
فهو من ولد في مكان وحمل جنسية مكان وعاش في مكان آخر ..
مع كل هذه المتناقضات والصراعات عن الهوية التي أثارتها في نفسه يكتب عما هو مطلوب منه كفلسطيني مهجر وهو الشعور بالإنتماء للمكان الذي ولد فيه والذي ينتمي إليه بقية أفراد عائلته ..
في الوقت الذي انتقل إحساسه بالإنتماء إلى مكان آخر قضى كل عمره فيه
لا أظن أن هذا ذنبه ..
فما هو مفهوم الوطن وكيف يتأتى الشعور بالإنتماء
تحضرني رواية بلد آخر لغورديمر عن بطلتها الجنوب أفريقية التي غادرت وطنها مع زوجها لبلد عربي مسلم وعاشت فيه ليس لأن زوجها ينتمي إليه بل لأنها شعرت إنه الوطن وحتى حين قرر زوجها الرحيل والهجرة رفضت لأنها وجدت المكان الذي شكل هويتها وشعرت إنها تنتمي إليه ..
القضية التي يتناولها الكاتب هي قضية هذا الشعور بالضبط من أين يأتي به إن كان فقده مع الزمن وانخرط في عالم جديد
لا يعرف وطنا غيره
وياللمفارقة إنه نفس الوطن الذي يبخل بالجنسية ..الوطن الذي يفرق بين ابن البلد الأصلي وبين من ولد وعاش فيها كل حياته لأي سبب من الأسباب
الشعور بالإنتماء لا يأتي غصبا ولكنه يزرع زرعا
وإن لم تكون هناك أرض فلن تنبت إنتماءات
فلماذا تلام مثل هذه المشاعر التي تنبت في أرض أخرى بجريرة لم تكن لهم أيادي في صنعها بجريرة مستعمر شرّد وشتت واستعمر !
أعتقد أن جمال هذه السيرة إنها صادقة وليست مزيفة المشاعر .. حقيقية وليست متخيلة كتبها معتز بشفافية شديدة دون أن يعير سخط الآخرين إي إهتمام
وهذه لعمري شجاعة تستحق كل التقدير .