ضد المثالية

للحظات، كنت أطالع مقاطع الفيديو والرسوم الكارتونية المنتشرة حول انشغال العالم بالتقنية، وانغماسهم في السوشيال ميديا طوال الوقت، وكنت بيني وبين نفسي كنت أصدق للحظات أيضاً أن إنسان العصر الحديث مستَلبٌ لمصلحة التكنولوجيا والإيقاع السريع، قبل أن أتوقف وأسأل!
قضيتُ طفولتي وصباي بلا انترنت ووسائل اتصال حديثة، كان جرس الباب احتفالاً، ورنين الهاتف مهرجاناً يدفع كل أفراد الأسرة للرد عليه، كنا نشاهد القناتين السعوديتين الأولى والثانية، قبل أن يصبح في حياتنا “مقوي البث” الذي يلتقط قناتي مصر الأولى والثاني.. والكمبيوتر البدائي الذي تعملت عليه مبادئ البرمجة (كان طرازه عجيباً واسمه XL600) كان محدوداً بلوحة مفاتيح وشاشة سوداء لا تظهر عليها إلا الأكواد والنتائج..

كانت الصحف الورقية المورد الأساس لتقصي أخبار العالم، الكتب كانت مصدراً وحيداً للمعرفة، الموسيقى مرهونة بما يتوفر في السوق من أشرطة الكاسيت وبعض ما تبثه الإذاعات المعدودة، أما الكتب فكل ما توفر منها خير.. ثم ماذا؟

وثب العالم وثبته الكبرى بشبكة الانترنت..

من الذي وضع قواعداً مثلى لهذا العالم؟ من الذي أقر أن قضاء ساعات عدة على الكمبيوتر وأجهزة الموبايل ضد الطبيعة؟ لماذا يصر المثاليون أن فيها جانباً إيجابياً علينا الأخذ به وإهمال جوانبه السيئة؟ هؤلاء ذاتهم يبثون أفكارهم من هواتفهم الذكية، ويبحثون عن جماهيرية للفيديوهات التي ينتجونها بين ملايين المتابعين في مواقع التواصل، ويتوقعون بالضرورة مجداً شخصياً قائماً على الشعارات المثالية البائسة التي ينادون بها..

من الذي افترض أن الطبيعة هي الأساس؟ وأن الأماكن الخالية من وسائل الاتصال هي الأنسب للراحة والبعد عن التوتر، ولماذا يفترض هؤلاء أنهم على الضفة الصواب وأن من يرون عكسهم جهلة وعبيد في رحاب التكنولوجيا؟

أنا ضد المثالية الزائفة في هذا العصر، وضد فرضية العودة إلى الطبيعة.. ضد أن أكون معزولاً في بقعة من الأرض وبعيداً عن معرفة العالم وما يحمله إليّ هاتفي الجوّال.. ضدّ أن أعود لنقل عشرة كتب معي في رحلة سفر، وضد حمل مذكرة لتدوين ما أريده.. ضدّ أن أعود إلى ارتداء ساعة واقتناء منبّه يذكرني بالصحو والمنام.. ضد أن أضطر لشراء كاميرا توثق لحظاتي، وضد الاحتفاظ بعشرات ألبومات الصور لاستحضار كل ما يقع في حياتي..

أنا ضدّ هذه المثالية الزائفة، وضدّ من يحاولون إقناع العالم بها..

(Visited 458 times, 1 visits today)

2 thoughts on “ضد المثالية

  1. فعلا و من الممكن كذلك ان نستفيد من عزله اختياريه بصحبه احدث وسائل تسهيل المعرفة بشكل انتقائي بعيدا عن زخم تفاهات العصر وفي مواكبه واستفادة من مكتسباته لاثراء العقل والمشاعر والروح

  2. اتفق معاك لكن انا احاول احد من استخدامي للاجهزه لضررها على نظري والتاثير واضح للاسف ولاارى اثراً سلبياً اخراً لها وربما مثلي الكثير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *