الشاعر الذي يسكنني تنين ضخم

عصيٌّ عليه أن يصنّف ما يكتبه، بل إنه يرفض حتى مبدأ التصنيف، فهو على حد قوله عند فعل الكتابة: “أقف على أرض فارغة لا يقف فيها أحد غيري ولا أريد لغيري أن يقف فيها»، أسقط من ذاكرته سلطة الأسماء، فلا أحد من الشعراء يروقه.. ما أنجزه من «كتابة» تركها في «ضمير» الإنترنت فنال حظوة المعرفة هناك، لذا فهو يقف من الإنترنت موقف الممتن..هكذا يبدو «الشاعر» معتز قطينة ملوّحًا بديوانيه «خلفي الريح مجدولة»، و«عصيان»، متمردًا في كل ما يقول، وصريحًا حد «الجرأة»..

* يشتبهون في الشعر .. فأين تجده؟

مسألة الأشكال والأنماط لا تعنيني إطلاقا، فالجمال عندما يتلبس بأي رداء يبقى جمالا، الكتابة نوع من أنواع الجمال، سواء كانت كتابة عمودية أم تفعيلية أم نثرية، فالشكل لا يعنيني إطلاقا لأنني تجاوزت هذه القضية.

* وماذا عن صرامة التصنيف؟

مشكلة أصحابه، فمن يبحث عن التعب من خلال التصنيف دعه لتعبه. فما يضيرني أن اعتبرتني شاعرا أو ناثرا، فتصنيفك لك.. قل إنني أكتب.. سواء كنت شعرا أم نثرا.. قل إنني أكتب.. فقط.

* أيعني هذا أنه لا يعجبك شاعر؟

نعم.. لا يعجبني شاعر بعينه.. يعجبني ما يكتبه فلان أو ما يكتبه فلان؛ أما الشاعر في حد ذاته فحياته وجميع متعلقاته تخصه هو. وبهذا اسقط سلطة الاسم من ذاكرتي، لا أريد أن تكون هناك نماذج جاهزة ومعبأة في رأسي وأبدأ الكتابة من خلالها، أنا أفتش عن الكيفية التي أكتب بها، الكيفية التي أصنع بها نموذجي.كما أني أقف وبشدة ضد الأنماط المعدة سلفا للكتابة، ففي ديواني الأول «خلفي الريح مجدولة» لم أتوصل لهذه الفكرة بعد، أما إذا قرأت ديواني«عصيان» فسترى أن تصنيفه محير على كل حال، لا هو بشعر.. ولا هو بنثر.فأنا أقف فيه على أرض فارغة لا يقف فيها أحد غيري ولا أريد لغيري أن يقف فيها.

*وماذا عن أسماء مثل الدميني والحميدين والثبيتي والصيخان وغيرهم؟

بداية أكن التقدير لأي اسم أيا كان إلا أنني كما قلت قبل ذلك أنه ليس في رأسي أي نمط أو أي صورة نموذجية على الإطلاق ،احترامي للشخص لا يعني بالضرورة أن أنساق في نمطه ،بالنسبة لكون المشهد لا زال يضرب مواعيده مع شعراء السبعينات والثمانينات وهم جزء، لكن هناك تجارب جديدة وكثيرة وممتازة جدا ..

*هذه التجارب التي تتحدث عنها لم تشكل ظاهرة؟

لا تحكم على شخص لا يتعدى عمره في الساحة الخمس سنوات وأصدر ثلاثة أو أربعة مؤلفات في خلال خمس أو ست سنوات ،لا أريد أن أصل حتى للعشرة لأنه لا يوجد من امتدت تجربته للعشر سنوات وكان له أثر ،لكن يوجد تجارب من الممكن أن تشكل ظاهرة أمثال تجربة عبدالله ثابت ومحمد خضر الغامدي التي أعتبرها تجارب جيدة ومستمرة في أن تخلق صوتا جديدا مختلفا عن أصوات السبعينات والثمانينات ولو قارنت بين الأصوات التي تقلد أنماط السبعينات والثمانينات والأصوات الجديدة لوجدت أن الأنماط الجديدة هي الأكثر حضورا.

* أكثر حضورا بدون أي أثر!

لا أريد أن أقول بأنك هجومي في هذه النقطة ،مثلما قلت لك من البداية ،حكاية التصنيف لا تخصني إطلاقا ،عندما أتكلم عن تجربة فأنا أتكلم عما تكتبه هذه التجربة سواء محمد خضر أو عبدالله ثابت اللذين لهما منجزهما وبإمكانك أن تعود إليه وليس من الصعوبة أن تستشف اختلافهم عن بقية الأنماط.سيادة الساحة

* لنصطلح على تسميتهم بشعراء الألفية ،أنت تطالب بالوقت فقط حتى يتسيدوا الساحة الشعرية؟

بالتأكيد الوقت هو العامل الأكثر حسما في مواضيع مثل هذه, تحتاج مرور عشرين أو ثلاثين عاما على الأقل حتى يكون هناك ناتج لهذا المخاض الذي يحصل ،أعرف أن المسألة محصورة بين التحول المعرفي ففترة السبعينات والثمانينات كانت التقنية في أولى تشكلاتها أما في الألفية فقد اختلفت المسائل بشكل رهيب ورغم أن المسألة عشرون عاما فقط إلا أن الاختلاف في نوعية التحصيل المعرفي وكيفيته أصبحت تشكل فرقا رهيبا وهذا هو الرهان في النهاية ،في المعرفة ووسائلها في التقنية وطرائقها ،هذه في النهاية ستنتج صوتا أكثر حدة .

* النقاد أعداؤك إذن؟

أبدا.. لم أستعدِ النقاد، ولم يستعدونني، إذا كان عند النقاد في مشاريعهم يمكن أن يتقاطع مع ما أكتبه فهذه مسألة تتعلق بمشاريعهم.. ما يعنيني من الناقد (يصمت قليلا ويتمتم) أنا لا يعنيني شيء من الناقد بصراحة.

* يبدو أن لك قضيتان.. هل بإمكانك أن تحددهما؟

لا أتفق معك أن لي قضيتان.. من الممكن أن أكون صاحب قضية أو قضايا، ومن الممكن أن أكون بلا قضية ،هذا لا يعيب الشخص، لكن لا بد للكاتب أن يحمل قضية على الأقل قضيته الشخصية، قضية وجوده وكينونته وحياته، أما مسألة أن أكون محدد بقضيتين فلا أظن ذلك صحيحا..

* إذاً, أنت الذي لا يهرب في العد التنازلي ولا يخلي المهرجانات النارية؟

ليس بالضرورة أن ما أكتبه يتحدث عني أنا بالتحديد، الشاعر الذي أحمله أظنه أقوى مني كثيرا ،ما أريد قوله بأن الشاعر الذي يسكنني يدفعني أكثر مما أنا أستحضره، هو الذي لا يهرب في العد التنازلي ولا يخلي المهرجانات النارية حين تحتفل بالشجيرات البائسة، الشاعر الذي يسكنني تنين ضخم جدا وناره حارقة جدا وما زال يغلبني كثيرا ورغم أني حاولت صده أكثر من مرة ،حاولت تحجيمه وشطبه أكثر من مرة إلا أنني أعترف بأنني فشلت..

* توظيفك للموروث الشعبي في نصوصك رغم جماله كما حدث في نص (فتح الله) إلا أنه قليل جدا.. لِم؟

فكرة توظيف الموروث هي التي تغني النص وتغني الأثر لسبب بسيط جدا وهو أن الموروث يعتبر امتدادا للكاتب، هو الشيء الوحيد الذي يحول الكاتب إلى شخص ثري، ثري بمعنى أن تستطيع أن تعمل على هذا الموروث بشكل تستطيع أن تحوله إلى أثر، ليس بالضرورة أن يكون الموروث أغنية شعبية أو حكاية مروية، أحداثي التي حصلت لي في المدرسة الابتدائية تعتبر جزءا من موروثي، في «عصيان» مثلا في أحد نصوصي وصفت صورة شاهدتها لا زلت أحتفظ بها في ذاكرتي.

* تكتب أنماطاً متعددة من الكتابة من ضمنها نشرات نقدية صحفية…!

(مقاطعا) مع تحفظي على مصطلحك, نشرات نقدية صحفية, بدايتي مع هذه النشرات كانت عفوية تماما, فبداياتها التي نشرتها كانت على الإنترنت, فإذاً, هي ليست صحفية, ولكنها بعد ذلك نشرت في الصحافة, ودرجي لا يزال فيه أكثر من قراءة لم تنشر بعد, وإن حدث ونشرت هذه القراءات في الصحافة مثل قراءتي لرواية (جاهلية) لليلى الجهني, فمثل هذه القراءات نتاج ما يتشكل في رأسي بعد قراءتي لهذا العمل, لذا لا يمكنك أن تطلق عليه نقداً, فليس بالضرورة أن تحوي قراءات إشارات للأماكن الصحيحة أو الخاطئة, أنا كل ما يعنيني هو موطن الجمال في أي عمل أقوم بقراءته!

جريدة المدينة-13 أغسطس 2008


(Visited 37 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *